في ظل العصر
بسم الله الرحمن الرحيم
والعصر * ان الانسان لفي خسر * إلا الذين ءامنوا وعملوا الصلحت وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر*
ذكر الطبراني عن عبيد الله بن حصين قال : كان الرجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقيا لم يفترقا إلا على أن يقرأ أحدهما على الاخر سورة العصر إلى آخرها ثم يسلم أحدهما على الاخر وقال الشافعي رحمه الله : لو تدبر الناس هذه السورة لوسعتهم.(تفسير ابن كثير 4-708)
لماذا قال الامام الشفعي هذه الكلمة ..؟؟ لماذا تسعنا سورة واحدة من 114 سورة .. ؟؟
تسعنا لو تدبرناها .. لو فهناها .. لو احسسنا بها .. لكانت منهاج حياتنا .. نور هداية طريقنا ..
يقسم ربنا سبحانه ان الانسان .. كل الانسان في خسران .. الا فئة ليست في هذا الخسران والغبن والهلكة .. تلك الفئة لابد و ان تتوافر فيها عدة شروط أو اوصاف ..
مطلوب من كل قارئ مراجعة نفسه .. و حسابها بصدق .. هل تتوافر في نفسي تلك الاوصاف ؟
الوصف الاول: الذين ءامنوا ..
كلنا نقول لا إله الا الله .. اي لا معبود بحق الا الله .. لا احد يستحق العبادة الا الله .. و كل ما يعبد من دون الله لا يستحق .. كل ما يعظمه الناس من دون الله حقير، ضعيف، محاط به، كما قال تعالى: " يأيها الناس انتم الفقراء إلى الله و الله هو الغني الحميد" .. نحن كلنا فقراء .. فقر مطلق .. حتى لو امتلكنا الملايين .. فأين كنا منذ مئة عام ؟ .. فلم يكن منا أحد يملك جسدا ولا عينا ولا ايد .. لا شيء .. فقراء .. فقر مطلق .. فقر حقيقى .. فكيف يستنجد الغريق بالغريق ..؟
لماذا ذكر ربنا " ءامنوا" .. فعل ماض .. لماذا لم يقل " الذين يؤمنون.." ...؟
الفعل الماضي يدل على التحقيق ..والاستقرار .. ايمان عمر القلوب .. ملأ الافئدة ..ايمان لا يعصف به فتنة أو مصيبة ..
فهل نحن وفينا هذا الشرط ؟؟
اللهم ارزقنا ايمانا نجد حلاوته في قلوبنا ..أمين
الوصف الثاني: عملوا الصالحات ..
فكما أورد القرطبي: أدوا الفرائض المفترضة عليهم.
وفي البخاري: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( .. وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه...)
...اه .. كم من مسلم لا يؤدي الزكاة ..وهي فرض .. كم من مسلم يبخل عن الحج رغم قدرته ..و هو فرض ..و كم موظف يستيقظ في السادسة للحاق بعمله .. ويتكاسل عن صلاة الصبح قبلها بنصف ساعة ! .. كم نضحي للدنيا .. و نعطيها الاولوية القصوى .. وهي الزينة الزائفة الزائلة !
يقول تعالى:"وفي السماء رزقكم وما توعدون* فورب السماء والارض إنه لحق مثل ما انكم تنطقون" .. يقسم ربنا بنفسه ..و الكثير لا يصدق ! .. يقسم –سبحانه- ان رزقنا في السماء .. الا ان يقين الكثير انه عند مدير العمل أو صاحب الدكان أو ربما في خزنة الشركة ! .. يقسم ربنا ويضرب المثل تثبيتا " لحق مثل ما أنكم تنطقون" .. وعلى هذا الايمان الضعيف .. نضيع الفروض .. ونقترف الاثام .. ونطمع بمزيد من الدنيا .. وهي تاركتنا ان لم نتركها !
ان الاولويات ...ومعرفة من الكبير ومن الصغير .. من القوي ومن الضعيف .. من الباقي ومن الفاني .. تلك المعرفة التي يتبعها ايمانا قويا هي ما ينفصنا .. تلك المعرفة بالله وحقه .. هي ما غفلنا عنه .. فضاعت منا الفروض ..الا من رحم الله.
اللهم ارزقنا عملا صالحا يقربنا اليك ... أمين
الوصف الثالث: تواصوا الحق ..
جاء أكثر من تفسير اشهرهم: الحق هو كتاب الله ..وقيل ايضا الحق:الله
على كل، ان ما اريد الرمي اليه هو التواصي .. او الدعوة عموما ..سواء تواصي او نصح أو امر بمعروف او نهي عن منكر .. فقد يظن البعض ان الدعوة لها اشخاص ذوو صفات معينة .. لانهم قد كمل ايمانهم و يريدون تعليم الناس ..وهو مفهوم خاطئ شائع جدا ..
فمن مشى وسارع في طريق الايمان لا يقول ابدا انه قد كمل ايمانه .. قما قال تعالى: " واعبد ربك حتى يأتيك اليقين" و اليقين:الموت .. فمن قال اني لا اعمل بالدعوة حتى يكتمل ايماني فلن يعمل بها ابدا ..
تنبيه: الدعوة لا تعني الافتاء.
كما ان الدعوة ليست للمدعو فقط .. بل هي للداعي في المقام الاول .. فهي مهنة الانبياء .. فهلا عملت عملهم ؟ ..فقد قال تعالى في خواتيم يوسف تلك الايات الثلاث.. تدبر ترتيبها :
" وما كان اكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين" –103
فهذه القاعدة العريضة في الانسان .. الخسر .. ثم يأتي الاستثناء:
"وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون" – 106
سبحان الله .. حتى القلة المؤمنة ايمانهم معكر غير صافي .. و قد يتعاظم التعكير لحد الابطال و الافساد ..
فأين المؤمنون إذن ؟
" قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله ، على بصيرة أنا ومن اتبعني، وسبحن الله وما أنا من المشركين" – 108
فلم يقل ربنا –سبحانه- : ادعوا الى الله ..وما هم من المشركين .. بل قال "وما أنا من المشركين" .. فالدعوة تنقية لايماني وضمان لسلامته من الشرك .. و أقرب الاذان للساني أذني !
فهذه سبيل رسول الله –صلى الله عليه وسلم- و سبيل أتباعه .. فلا نبي بعده .. ولكن بعده رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه !
رجال حملوا أمانة الرسالة وصدق التبليغ ! ..هذا مع صفة " على بصيرة" .. كما فسرها الكثيرون: أي على يقين وحق ومنه.
وقال تعالى: " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين"
فمن يجاهد مخلصا لله سواء بيده أو بلسانه .. فان له الهداية .. ومعية الرحمن .. ومنزلة الاحسان .. تدبر قوله !
الوصف الرابع: تواصوا بالصبر
ذكر أكثر المفسرون انه الصبر على الطاعات، وعن المعاصي، وعند المصائب .. اي ثلاثة انواع.
فبعد الثلاث أوصاف السابقة .. ايمان – عمل – تواصي .. فقد عرف الانسان الطريق .. وبقى عليه الاستمرار .. " حتى يأتيك اليقين" .. الصبر عليه (الطريق) ربما يكون أصعب من بلوغه ..
وهذا هو الفرق بين النجاح والفلاح .. فالفلاح دوام النجاح والفوز .. وكفى بفضل الصبر قول ربنا –سبحانه- " إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب"
انظر وتأمل في حياة الانبياء ... كم قاسوا ..كم تأذوا .. تدبر سيرة النبي صلى الله عليه وسلم .. مات أولاده الذكور .. و طلقت بنتيه .. و ماتت أحداهما .. ماتت زوجته خديجة ..وعمه .. قاطعه كل قبيلته .. هاجر من بلده المحبوب فارا بدينه .. محاولات اغتيال .. تشكيك من اليهود .. طعن في شرفه ... ابتلاءات تلو الابتلاءات .. قد تحول احداها حياة احدانا الى كابوس يعجز المرء أمامه ..
طريق الحق دائما صعب .. فكما جاء في مسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات" .. لكن الصبر على هذا الطريق لا يعني أبدا انها افساد للحياة .. بل هو ضبط لها و تسييسها .. فقد قال سبحانه :" من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حيوة طيبة".. و للحياة الطيبة هنا أكثر من معنى، فذكر بعضهم انها الرزق الحلال، وقال أخرون انها القناعة والسعادة .. فحياة المؤمن وإن كان فيها عرق فأنه يعلوها البسمة.
اللهم ارزقنا صبرا جميلا ... أمين
فتلك أربع صفات .. تذكرها دائما: إيمان – عمل – تواصي – صبر
من يحافظ عليهم .. فليس من الخاسرين ..
الحمد لله رب العالمين. فما كان من توفيق فمن الله ، و ما كان من خطأ فمن نفسي والشيطان.
سبحانك اللهم وبحمدك .. أشهد ألا إله إلا أنت .. استغفرك وأتوب إليك
مدونة الديب http://eldeebs.blogspot.com