الاقصى
من أفضل ما كتبت >> مفهوم الدولة الدينية - تجربتي مع الجيش - فرق الموت الشيعية - يحبهم ويحبونه - خاطرة دعوية

مايو ١٩، ٢٠١٢

كيف يتعامل مرشحك مع هؤلاء؟

لم يتبق الا عدة ايام ليدلي كل منا برأيه في انتخابات الرئاسة المصرية، ومازال اكثر الجماهير مترددين في هذا
الاختيار. هذه المقالة تحاول وصف المجتمع المصري بشكل تشريحي، قد يساعد الناخب على حسم خياره

بعد ستين عاما على ثورة يوليو، يبدو لي المتجمع المصري منقسما لثلاث اقسام رئيسية، كل له احتياجاته واولوياته الخاصة التي تختلف -ان لم تتعارض- مع احتياجات واولويات القسمين الاخريين. احاول تحليل كل قسم على حدى مبينا النظرة السائدة فيه تجاه مرشحي الرياسة ومدى تطابق هذه النظرة مع احتاجاته الحقيقية.

القسم الاول: هم الطبقى العريضة من أهل مصر، قد يجوز اطلاق تسمية العمال والفلاحين عليهم في حالة عدم البطالة.. ساكني المناطق الشعبية .. وربما العشوائيات ان ضاق الحال .. هم المطحونين من الموظفين .. هم الذين جل اهتمامهم قوت يومهم .. هم عمال اليومية .. هم الفلاحين يدورون مع وعود الحكومة ومديونياتهم .. هؤلاء يشكلون ما لا يقل عن 70 بالمائة من تعداد البلد، تتعدد احتياجاتهم لتشمل كل ضروري للكائن البشري، فلا يجدون ماءا نظيفا ولا مسكنا قابلا للحركة فيه ولا مشفىً اذا طقوا من هذه الحياة. هؤلاء لهم الله وبقية من ايمان يصبرهم على فقرهم وجوعهم ومرضهم، ومن لم تكن له هذه البقية فيصير مدمنا او بلطجيا!! بلا شك ان أولوية هؤلاء لا تنحصر في مسكن ومطعم ومشفى وكساء، فقد رأينا ان اغلب شهداء الثورة من شبابهم فبقية الايمان والصبر غالبة، ولكن الجوع كافر، فليست الاولوية للاصلاح السياسي ولا طريق الديموقراطية ولا تعليم ولا صناعة، وليست هذه النظرة عن عيب فيهم بل هي اولويات البشر الاساسية التي بها وعليها ينبني صرح الحضارة. لا يثقون في وعود الساسة -وان كانوا يقدرون البدلة العسكرية والهيئة الدينية- من كثرة ما نُسوا واُهملوا .. هذه مشكلة مجتمع بأكمله وهؤلاء ضحيته، الحل ليس بسيط ولا سريع، فلا يقوى عليه أمرا عسكريا ولاخطة حكومية مستعجلة.، صدق من قال: لو كان الفقر رجلا لقتلته!

القسم الثاني: هي البقية الناجية من الطبقة الوسطى، هؤلاء كانوا الاغلبية في العصر الناصري ومازال النظام يضغط عليهم بشدة، فقليل منهم من استطاع القفز للاعلى والغالبية انطحنت للقسم الاول المذكور. من تبقى من هذه الطبقة هم المقصودون في هذا القسم .. غالبا ما يحظى هؤلاء بشيء من الكرامة .. وظيفة مستقرة .. قسطا من التعليم ..مسكن -وربما مصيف ايضا- .. ربما سافر أحدهم للخارج او سمع ممن سافروا كيف تكون البلاد وماهية حياة العباد من بني جنسهم.. غالبا ما يسهر أحدهم امام الفيس بوك او التوك شو ..يبدو ان أكثر الثوار -المحركين الاول – من هذه الطبقة التي يجوز استمرار تسميتها بالوسطي. هؤلاء يشكلون حوالي 25 بالمائة من التعداد، هؤلاء يقولون انهم على استعداد للتضحية للرقي بمستوى البلد .. هؤلاء يدعون انهم يصبرون على الجوع -الذي لم يعهدوه حقا- في سبيل الرقي المنشود... هؤلاء فيهم كافة التيارات الفكرية -لان فكرهم غير مشغول جدا بالجوع- من اليسار الى اليمين .. مرورا على الاشتراكيين والليبراليين والاسلاميين باختلافهم.. هؤلاء منهم الصادقون وأكثرهم المشغول بدنياه للحفاظ على المستوى المعيشي الضاغط أو متمنيا الافضل. بلا شك ايضا ان هؤلاء يقيمون المرشحين على برامجهم وافكارهم لا على ذبائحهم وعطاياهم، يسهل صيدهم امنيا او سياسيا، مازالوا ليني الاظافر في العمل العام. الخير منشود منهم!

القسم الثالث: هي الطبقة الرأسمالية العليا التي ظهرت في عصر السادات وتوحشت في عصر مبارك، لا اتحدث هنا عن دور الفرد منهم وعلاقته بالنظام القديم، فنحن امام واقع يجب اعتباره والتعامل معه، هؤلاء منهم الشرفاء كأمثال أحمد بهجت والسلاب -رغم انتماءه للحزب المنحل- ومنهم ابو العينين وعز ..القاسم المشترك بينهم هو التحكم في قدر كبير من أدوات الانتاج القومي -وهو ما يعنيني في التقسيم- وتشغيل الاف العمال وتملك كثير من موارد البلد  .. مع قليل من التصدير والاستثمار الخارجي .. هؤلاء الاولوية عندهم الحفاظ على تلك المصالح وهذا التدفق من المال والاعمال ..تختلف النوايا -والله اعلم بها- من ساعي وراء الدنيا ومقيم لحضارة ونهضة .. الحق ان مصلحة البلد مع الاثنين والحساب عند الخالق. هؤلاء قد يخشون من تحول البلد لنمط اسلامي مذموم غربا قد يؤدي لفرض حظر كالذي تعاني منه ايران وسوريا.. فكثير من المواد الخام وتكنولوجيات الصناعة والخبراء والتوكيلات -وصادراتنا ايضا- ذات صلة بدول غربية. يرغب هؤلاء بالاستقرار السياسي وعدم استحداث عداءات خارجية بأقل الخسائر الداخلية او ما تقتضيه علاقة أحدهم بالنظام السابق

يبدو لي ان نجاح الرئيس القادم يقتضي ان يقدم نموذجا فريدا في التعامل مع اقسام المجتمع الثلاثة. بغض النظر عن أهداف مرشحي الرئاسة فنقطة البداية واحدة! الرئيس القادم يجب عليه المحافظة على مصالح القسم الثالث لمصلحة البلد المتدهورة .. مع ترك مسافة كافية بعيدا عنهم.. فقد سأمنا تزاوج المال والسلطة من قبل! الرئيس القادم يجب عليه ان يتفهم ثورية القسم الثاني -ويشاركه- ويبدأ بمحاربة الفساد وفتح قنوات العمل الديموقراطي، التعليم والبحث العلمي، الارتقاء بالخدمات المختلفة ..وان يجنب التعامل الامني مع اي معارض!
الرئيس القادم يجب عليه العمل الجاد لتقليص اعداد فقراء القسم الاول، لا عن طريق طردهم من عشوائياتهم لأخرى في 6 اكتوبر، بل عن طريق توفير مناخ منفتح من المشاريع الصغيرة، المصانع، محو الامية، تدريب العمال، تشجيع التصدير، اسواق مشتركة مع دول الجوار، زيادة ميزانية وزارة الصحة والمعاشات، وأخيرا .. حلول عاجلة للافواه التي طالما صبرت وجاعت!

-مدونة الديب، 19-5-2012